تصحيح المصطلحات: السجود
By mosaid · 22 Jun 2025, 12:36 · 74 views
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نبدأ موضوع السجود، لابد من الطرق و إعادة الطرق على الرؤوس المتحجرة بثلاث آيات من القرآن الكريم
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَـٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (النحل 89)
لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف 111)
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ ءَايَـٰتٍۭ بَيِّنَـٰتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ (الحج 16)
القرآن تبيان لكل شيء، و تفصيل كل شيء وهو آيات بينات.
لهذا من المفترض أننا لفهم كلماته لا نحتاج إلى قواميس اللغة وتفسير السلف. فيجب أن نفهم القرآن بالقرآن بتدبر آياته.
إن محاولة فهم القرآن باستعمال قواميس اللغة كمن يحاول وصف ضوء الشمس بوصف ضوء الشمعة
لكن عقول المسلمين اليوم أُشْرِبت ركام التراث، هناك من يدافع بشراسة عن أفهام السلف دون أن يطلع عليها أصلا، يدافع عنها فقط تقديسا لهم، وليس عن علم ودراسة.
سنرى إن شاء الله في هذا المقال هل حقا نعرف معنى كلمة السجود أم أننا في ضلال مبين
وعلى عكس منهجيتنا في فهم القرآن بالقرآن، وعلما منا بتقديس القارئ الكريم للسلف وكتبهم سنمر بعجالة على بعض القواميس من باب الإستئناس فقط، وكما قلنا وكررنا، القرآن غني عن أن يُفهَمَ بما سواه
السجود في مقاييس اللغة لابن فارس:
السين والجيم والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد يدلّ على تطامُن وذلّ. يقال سجد، إِذا تطامَنَ. وكلُّ ما ذلَّ فقد سجد
أي أن السجود لغة هو الخضوع والتذلل
معنى سجد في القاموس المحيط للفيروزآبادى
سَجَدَ: خَضَعَ، وانْتَصَبَ، ضِدٌّ.
الباحث في قواميس اللغة سيجد أن السجود يعني الخضوع ثم يزيد بعضهم فيقول هو وضع الجبهة على الأرض في إشارة إلى الحركة التي تتم في الصلاة بزعمهم.
اذن سنتوجه إلى القرآن الكريم دون أحكام مسبقة على كلمة سجد وسنرى القرآن الكريم ماذا سيقول.
منهجية البحث في القرآن الكريم هي كالتالي:
أولا
إذا وجدنا لكلمة ما، معنى يتكرر في عدة آيات فإننا نحمل هذا المعنى لكل المواقع الأخرى لهذه الكلمة ما لم تكن هناك قرينة تفرض علينا تغيير المعنى.
. ثانيا
يجب ألا نأتي بأفهامنا الناتجة عن أفهام آبائنا أو تفسيراتهم ونحاول أن نسقطها بالقوة على الآيات، بل نستنبط المعنى من القرآن الكريم بشكل واضح، وإن وجدنا أن فهم السلف موافق للمعنى القرآني فمرحبا به
. ثالثا
عند دراستنا لكلمات القرآن فإننا نحملها على معناها اللغوي، ولا نسقط عليها ما سماه آباؤنا الأولون بالمعنى الإصطلاحي، الذي في غالب الأحيان يكون في واد والمعنى اللغوي في واد آخر. فلا يُعْقَل أن اصحاب رسول الله كانوا عندما يقرأ عليهم القرآن يسألون رسول الله يا رسول الله هل تعني في هذه الآية السجود لغة أم إصطلاحا.
.رابعا
القرآن نزل لنا بقدر ما نزل لهم، والله يعلم أننا في عصرنا لسنا بفصاحة السابقين، لكن الله وصف كتابه أنه بين وآياته بينات،فهو بين لنا كما هو بين لهم، فدعني أيها القارئ الكريم من مقولة أأنت بدرجة فصاحتهم، تلك أسطوانة مشروخة، و خدعة إبليسية لن تنطلي علينا.
نبدأ بحثنا بحول الله
أول موقع لكلمة سجد كانت في موضوع سجود الملائكة وهو موضوع سنعود إليه بعد أن نوضح معنى السجود
ثاني موقع هو:
وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُوا۟ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا۟ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ (البقرة 58)
فكيف يا ترى سيدخلون الباب سجدا بالمعنى المتعارف عليه عند العامة ، كيف يدخلون الباب منبطحين على الأرض واضعين جباههم على التراب
يَـٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ (آل عمران 43)
لَيْسُوا۟ سَوَآءً ۗ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (آل عمران 113)
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوٓا۟ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلْيَكُونُوا۟ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا۟ فَلْيُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا۟ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَٰحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓا۟ أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا۟ حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (النساء 102)
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا۟ فِى ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـٰقًا غَلِيظًا (النساء 154)
سنعود إن شاء الله للآية (النساء 102). فهي متعلقة بموضوع الصلاة، وفهمنا لمعنى السجود سينير الطريق لفهم الصلاة
والآية 154 تكرر نفس معنى آية سورة البقرة وهو قول الله لبني إسرائيل أن يدخلوا القرية ساجدين
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُوا۟ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا۟ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيٓـَٔـٰتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ (الأعراف 161)
إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسْجُدُونَ ۩ (الأعراف 206)
الملائكة يسجدون لله
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْـَٔاصَالِ ۩ (الرعد 15)
كيف يسجد الساجد طوعا وكرها. الدارس للقرآن يعرف أن الذي يسجد كرها هو الإنسان الذي ضل عن صراط الله المستقيم، أما غيره من المخلوقات فيسجدون طوعا.
ما هو هذا السحود الذي يقوم به الإنسان رغما عن أنفه. وهل نرى الناس ساجدين كرها في الشوارع؟
أَوَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّؤُا۟ ظِلَـٰلُهُۥ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَٰخِرُونَ (النحل 48)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (النحل 49)
لازال القرآن يقول أن كل خلق الله يسجدون له، خصوصا الملائكة الذين بالإضافة إلى سجودهم فهم لا يستكبرون أي يسجدون طواعية بكل تواضع. أما الإنسان الجاهل فيسجد كرها.
قُلْ ءَامِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوْ لَا تُؤْمِنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (الإسراء 107)
أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْرَٰٓءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ (مريم 58)
هل كلما تلي القرآن على الذين أوتوا العلم يسقطون بجباههم على الأرض؟، لنستمر في بحثنا.
سيقول التراث أن سجود المخلوقات الأخرى غير سجود البشر. نقول لهم:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ۩ (الحج 18)
القرآن يخاطب رسول الله ونحن من بعده أننا نرى جميع خلق الله ساجدين ويظهر سجودهم جليا واضحا لنا وإلا فلا معنى للآية السابقة التي تدعونا للتفكر في سجود كل المخلوقات
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُوا۟ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا۟ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ۩ (الفرقان 60)
هل كان رسول الله في العهد المكي يدعوا قريشا لوضع رؤوسهم على الأرض أم أنه يدعوهم للإمتثال لأوامر الله والخضوع له. من هنا يبدأ معنى السجود في الظهور لمن عمي عنه وهو جلي واضح.
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (السجدة 15)
حسب هذه الآية، لكي تكون مؤمنا بالقرآن عليك أن تسقط جبهتك للأرض كلما سمعت آية من آيات القرآن ، هذا إن أخذنا معنى السجود من كتب التراث
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ۖ سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًۢا (الفتح 29)
ما هي علامة سجود أتباع رسول الله، وبالطبع أنا أنزهك أيها القارئ الكريم من أن تكون بمستوى غباء العامة فتقول هي تلك العلامة السوداء في الجبهة .
فَٱسْجُدُوا۟ لِلَّهِ وَٱعْبُدُوا۟ ۩ (النجم 62)
في سورة النجم، وهي تخاطب قريش عباد الملائكة والأصنام، ويقول لهم الله أن يسجدوا، بالطبع لا يقول عاقل أنه يدعوهم إلى الإنبطاح على الأرض
وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (الرحمن 6)
النبات والشجر يسجدان لله كما تفعل كل المخلوقات
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ ۩ (الإنشقاق 21)
هل كان الناس مطالبين بالسقوط على الأرض كلما قرئ القرآن. بالطبع لا. هم مطالبون بالخضوع للقرآن وإتباع أوامره، والإمثثال لنواهيه.
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب ۩ (العلق 19)
هذه سورة العلق، حسب التراث فهي أول ما نزل من القرآن و فيها:
أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ (العلق 9)
عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ (العلق 10)
أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلْهُدَىٰٓ (العلق 11)
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰٓ (العلق 12)
بالطبع سيقول التراث أن رسول الله كان يصلي على طريقة إبراهيم. كيف عرفها و من أين أتى بها وهل كان في قريش من يصلي صلاة إبراهيم أصلا.
بالطبع يقولون هذا ليبرروا مفاهيمهم التراثية.
ونعود لمفهوم السجود ونترك الصلاة لموعد لاحق إن شاء الله. فهل كان رسول الله يسجد هذا السجود الحركي الذي بين أيدينا منذ فجر النبوة، ومنذ اليوم الأول.
بعد هذا الطواف على كل مواقع السجود، ومن خلال الآيات التي تدعوا الكفار إلى السجود عند سماع القرآن، ومن خلال وصف المؤمنين بأنهم يسجدون عند سماع القرآن و سجود أتباع الرسول ظاهر في وجوههم.
نستشف من كل هذا أن السجود هو الخضوع لأمر الله.
تعالوا بنا نسقط هذا المعنى على باقي الآيات ونرى هل يستقيم
بنو إسرائيل أمروا بالدخول إلى القرية خاضعين لقوانينها غير متكبرين أو معتدين على قوم تلك القرية: يستقيم
كل خلق الله خاضع لقوانين الله، جلهم خاضعون طواعية و بكل تواضع كالملائكة، وبعضهم يخضعون لقوانين الله كرها كالبشر، هل تستطيع أيها الإنسان أن تعيش بدون أكسجين، بالطبع لا، في مثل هذه الأمور أنت ساجد لله رغما عن أنفك، لكن في أمور أخرى كالخضوع للقرآن والإنصياع لأوامره، فأنت مخير و القرآن يدعوك للسجود دون إجبارك عليه.
هل يستقيم هذا المعنى؟
عندما يظهر معنى كلمة من كلمات القرآن، ويتكرر هذا المعنى في عدة آيات ، فخذه على جميع الآيات الأخرى
أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْرَٰٓءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ (مريم 58)
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (السجدة 15)
قُلْ ءَامِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوْ لَا تُؤْمِنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (الإسراء 107)
هذه الآيات الثلاث التي تذكر كلمة "خر" ، ليس بها قرينة على سجود حركي، فلا ذكر للصلاة هنا، ثانيا فيها كلمة إذا، بمعنى الدوام والتكرار ، أي كلما قرئ عليهم القرآن سجدوا، فهل تتحقق في الواقع، لكي تكون مصداقا لقول الله تعالى وقوله الحق، فما لنا لا نرى الناس يسقطون للأرض كلما سمعوا القرآن، إلا إذا نفينا عنهم صفة الإيمان بالكلية، الأولى بنا أن نفهم منها أنهم يخضعون للقرآن، ودموعهم هي التي تسقط على الأذقان، لاحظوا، يخرون للأذقان وليس للجباه، فلا أحد يسجد بذقنه.
أما سجود الملائكة لآدم فهو خضوع الملائكة لآدم. بالطبع هذا الفهم يستقيم جدا إن عرفنا مهام الملائكة ولماذا كان أمر الله لهم بالسجود لآدم.
كنت قد كتبت من قبل مقالا عن سجود الملائكة، وربما سأعود لهذا الموضوع بتفاصيل أكثر
وباختصار: الملائكة هم جنود الله في عرشه (عرش الله هو كل خلقه). الملائكة خلقوا السماوات والأرض ويسهرون على استمرار السماوات والأرض، الملائكة يسيرون الرياح ويسقطون الأمطار ويتوفون الأنفس ويكتبون أعمال الناس وهم من سيحاسبونهم وهم من سيجازونهم وهم من سيعذبونهم. يقومون بكل شيئ
ولأن منهم من يسهرون على أن يستمر خلق الله كما هو دون تغيير في توازنه، قال لهم الله ( عن طريق ملائكة آخرين) :
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ (البقرة 34)
خاصية: جميع آيات ضمير المتكلمين "نا" في القرآن تعود على الملائكة
قال لهم الله أنه سيخلق خلقا يستطيع تغيير خلق الله وسيفسد خلق الله الذي هم من مهامهم الحفاظ والسهر عليه فعظم عليهم هذا، لأنه يتعارض مع كنه وجودهم وجوهره، فقال لهم أنه يجب عليهم أن يخضعوا له، إن غير قانونا من قوانين الطبيعة وسَيَّره لصالحه وخدمته فعلى الملائكة ألا يمنعوا ذلك التغيير، أن يخضعوا له ، أن يسجدوا له.
خلاصة القول:
في جميع مواقع كلمة سجد ومشتقاتها، تكون بمعنى خضع.
بالطبع هناك من لن يصدق هذا المعنى أبدا، سيبقى متعلقا بالمعنى التراثي، هؤلاء نطرق رؤوسهم كل مرة بالآيات التي بدأنا بها هذا المقال، لكنها عليهم عمى وفي آذانهم وقرا
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ ءَايَـٰتٍۭ بَيِّنَـٰتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ (الحج 16)
من يريد الهداية سيهديه الله،