تتوهم المرأة أنها إذا خدمت أسرتها فهي فاشلة، بينما إذا خدمت الغرباء بلباس فاضح فهي موظفة ناجحة محققة لذاتها واستقلاليتها وحريتها. فهي مستعدة أن تصبر على الذل والهوان الذي تتعرض له من طرف مديرها في العمل، لكنها ترفض تلبية طلبات زوجها التي تعتبرها تحكما مرفوضا وسيطرة غير مقبولة.
لقد نجح الفكر الليبرالي والإيديولوجيا الرأسمالية والنسوية المتطرفة في غسل أدمغة النساء من كل القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية والأعراف المجتمعية التي تصب في تماسك الأسرة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وزرعت محلها الفردانية والأنانية والنرجسية.
من الأمثلة الدالة على هذا التحول في القيم، محادثة بين امرأة وصديقتها تعبر عن هذا الوضع: قالت المرأة "لم أعد أصبر على طلباته كل يوم". فأجابتها صديقتها "طلقيه، فالرجال مثله كثر". فردت المرأة "لا يا صديقتي، إنه مديري في العمل". فكان رد الصديقة "اصبري، فهذا عملك". هذا المثال يوضح كيف أصبحت مؤسسة الزواج في العالم الرأسمالي، حيث يُقدر العمل والإخلاص للشركات على حساب العلاقات الزوجية. أصبح الصبر والتضحية في العمل شيئاً مفروضاً، بينما التفاهم والتسامح في الحياة الزوجية شيء مرفوض أو غير مُقدر.
كل هذا طبعاً سببه غلبة قيم السوق التي تنتصر للمادة على حساب الروح، وتحول المجتمع من التراحم إلى التعاقد، حيث أن المرأة الآن صارت تنظر للرجل على أنه فقط ملقح للبويضة وليس مربياً، وأنه منفق فقط وليس مرشداً وموجهاً، وأنه منقذ من العنوسة فقط وليس سكناً.
لذا صار الضغط على الرجل رهيباً فوق التصور في عصرنا الحديث، فلكي ينال رضا المرأة لا يتوجب عليه أن يكون عادياً ومتوسطاً وبسيطاً كحال أجداده المنعمين وأسلافه الغر الميامين، وإنما عليه أن يكون في أعلى المراتب المادية والاجتماعية في محيطه، خصوصاً أن المرأة كلما ترقت في دراستها وعملها كلما كانت متطلباتها أعلى، فهي لا تريد رجلاً في مستواها فبالأحرى أن تقبل برجل أقل منها.
ما يزيد الطينة بلة هو التنافس المحموم بين الفتاة وبنات خالاتها وصديقاتها حول من ستفوز بالرجل الأكثر مالاً وجاهاً في منطقتها. تتفاخر النساء فيما بينهن حول قيمة مهر كل واحدة وحجم زفافها ومكان شهر العسل ونوعية المشتريات والهدايا التي تتلقاها من الزوج وموقع السكن ونوع السيارة إلخ... وللأسف، هذه الحقيقة لا تعجب الكثير من النساء.
في النهاية، يظهر بجلاء كيف أثرت الرأسمالية على العلاقات الأسرية، مما يبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في هذه القيم وإعادة التوازن بين العمل والحياة الأسرية لضمان تماسك الأسرة واستقرار المجتمع.
0 Comments, latest
No comments.