Banner of Caution in Islam: Navigating Life's Dangers with Wisdom and Faith

إحذر وتوكل


Category: Other.

Date: 6 months ago
Views: 427

Article In English

لله در الحذر ما أذكاه

اتقاء الشرور والحذر منها من أجود الصفات، وهي مما فطر عليه الخلق جميعهم، هذا أمر لا مرية فيه، لكن الشرور التي قد لا يأبه بها كثير من الناس تلك الشرور المستقبلية، لأنهم لا يعلمون الغيب الذي تحمله الأيام والليالي في طياتها، هذا طبيعي أيضا، لكن الله تعالى وضع أمارات في هذا الكون وإشارات تدل على الطريق الموصل إلى الخير، والطريق الموصل إلى ما سواه، ثم دعانا إلى الإقدام على الخير، والإحجام عن الشر، وقد أمر سبحانه بأخذ الحذر فقال:

"يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم"

، وقال سبحانه:

"يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"

، وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".

ولا ينبغي أن يفهم من الحذر الهروب من الواقع، فإن هذا أسوأ وضع يمكن أن يصير إليه الإنسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"

يقول أناتون فرانس: "ليست القلوب الطاهرة التي تتجنب المطر، بل تلك التي تحمل المظلات"، هذا هو المراد بالحذر، لا البعد والانزواء، أو الصدود والانطواء، فتلك عقد نفسية لا غير، وإنما الحذر أن تشارك وأنت يقظ مترقب، يقول سليمان بن وهب: "اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحترق"، ويقول عبد القادر المغربي:"لا يصاب بالبلل من يبقى بعيدا من الماء".

والاتقاء والحذر إنما ينبئ عن ذكاء المرء وفطنته، وتيقظه ونباهته، إذ لو لم يكن كذلك لظن الناس جميعا ملائكة أطهارا، ولم يدر أن منهم ذئابا تلبس جلد أغنام، يقول الشاعر وهو يحث على الحذر والاتقاء:

"إذا ما اتقيت الأمر من حيث يتقى
وأبصرت ما تأتي فأنت لبيبُ"

ولا ينبغي مجاوزة الحد في التوقي، فذلك خوف ذميم، لا يصدر عن حكيم، بل خير الأمور الوسط، دون تهوين أو تهويل، يقول أرسطو: "إفراط التوقي أول موارد الخوف"، ويقول فلوريان: "الاحتراس حسن في حد ذاته، لكن التمادي فيه سراب"، كما لا يجمل بالحذِر إذا اتخذ التوقي سلما أن يترك الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه في فعل الأمور وتركها، ولله در الشريف الرضي حيث يقول:

"إذا ما حذرت الأمر فاجعل إزاءه
رجوعا إلى رب يقيك المحاذرا"

وللحذر إذا كان مناسبا لمقتضى حال صاحبه فوائد جمة منها أنه يسلم من الوقوع في فخ المخادعين، يقول مازيني: "عندما نحذر قد نخطئ، لكن لا نخدع".
وغاية ما يحذره المرء في أيامه ألا يقع فريسة لأهل المكر والاحتيال، والسبيل للخلاص منهم التوقي والحذر، وفي المثل: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، وقال لقمان الحكيم: "أحزم الحازمين من عرف الأمر قبل وقوعه فاحترس منه".

ولا ينبغي للمرء أمام الشر الصريح والضرر البين أن يقف موقف المحايد، فإن ذلك من صفات أهل النفاق، وإذا ما توهموا أنهم من براثن الشر سالمون، وعن لدغاته ناؤون، فإنما هم بتفكيرهم واهمون.
يتبع.
عبد الرزاق الصادقي



427 views

Previous Article Next Article

0 Comments, latest

No comments.