السائد في ثقافتنا الدراسية الشعبية، هو الحصول على نقطة جيدة في الباكالوريا، ثم الالتحاق بإحدى المدارس العليا أو المعاهد الخاصة، وهذا أمر جيد.
لكن الذي ليس جيدا هو الاعتقاد أن الجامعة هي الخيار الأخير للمرفوضين من ولوج المدارس العليا، والحاصلين على نقط ضعيفة في امتحانات الباكالوريا، هذا ليس موجوداً سوى في مخيلة الشعوب التي خيم ظلام التخلف العلمي على غلافها الجوي، أما الجامعة في أصلها فهي المقر الحقيقي لصناعة الباحثين والعلماء والعباقرة، وهذا كان ولازال عبر التاريخ.
الدول المتقدمة اليوم (علميا) لا تُفاخِر بالمدارس العليا ولا المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، بل بجامعاتها ومعاهدها الأكاديمية، هارفارد، كامبريدج، أكسفورد، شيكاغو، ستانفورد، تورونتو، السوربون، بيركلي...
بل وحتى في دولنا النامية، أعظم العقول التي أنجبها المغرب مثلاً، كانت أسماء صنعتها المدرسة العمومية أولا، والجامعة ثانيا.
نعم، الجامعة مكان لتضييع الوقت والطاقة، إذا كنت ستقضي أيامك داخلها في المقاهي تضحك مع زملائك على غرائب الأساتذة، أو تجري وراء أرقام الفتيات، أو دوريات كرة القدم، أو تجلس في الصف الأخير تشاهد مسلسلات نيتفلكس آناء محاضرة الأستاذ، إذا كان الأمر هكذا، فإن مصيرك هو الفشل، سواء كنت في الجامعة أو مدرسة بعلو قمة توبقال، لأن المشكل ليس في المؤسسة بل في شخصك وعقلك وفكرك ونوع أصدقائك ومحيطك.
أما إذا كنت تنظر للجامعة على أنها مكان لصقل أدواتك المعرفية وإنماء مهاراتك البحثية، ثم أخذ المبادرة لشق طريقك في درب المعرفة والبحث العلمي، فعندها ستذوق من حلاوة الجامعة كما ذاق من اجتهد قبلك.
هناك أمر آخر أسهم بشكل كبير في تخلف الجامعة، وفي ترسيم صورة سوداوية حولها في عقول الشباب، هو سياسة المنظومة التجارية التي تغلغلت وسط عقول الآباء والتلاميذ والمؤسسات المدرسية، فأصبح الناجح هو ذلك المهندس الذي يستطيع المشاركة في إنجاح شركة أحدهم، والحصول على راتب يمكنه من أخذ شقة وسيارة بالقرض البنكي وقضاء عطلة الصيف بإحدى مدن الشمال، أو في مدينة إسبانية في أحسن الأحوال، وهكذا انقلبت الآية، وأصبح التقدم العلمي مربوطا في مخيلتنا بالثقافة المادية والراتب الشهري.
أسهم في ذلك تخلفنا الحضاري، وانعكاس الموازين، وإهمال الطاقات، فأصبح عامل الشركة هو المثال الذي نقدمه لأولادنا كنموذج على النجاح والتميز، والباحث والأستاذ والكاتب والمفكر هو النموذج المثالي= للمعاناة والاقتراض والشحذ أمام أبواب المدارس.
لا يعني هذا التنقيصَ مع عامل الشركة أو الموظف التجاري، لكن ليس على حساب قلب الثقافة العلمية وعرضها على مقاييس الثقافة المادية.
الجامعة كانت ولازالت وستبقى، المكان المقدس والحرم العلمي الذي أنجب وسينجب العظماء والأساتذة والباحثين، فأرسل ابنك للجامعة ولا تلتفت.
0 Comments, latest
No comments.