درس: الله والرب والضمائر
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
إستوقفني سؤال في مجموعة فايسبوكية حول الآية
★ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ • ( الأعراف آية 143 )
ولاحظت الكم الهائل من الأجوبة التي فيها ما فيها وعليها ما عليها، فرأيت أن أدلي بدلوي في هذه الآية
ما يسأل عنه السائل هو من هم المتكلمون في الآية.
وللأسف الشديد فإن موضوع الضمائر في القرآن الكريم كان ولا يزال منزلقا للعديد من المتدبرين القرآنيين. أما التراثيون فلا فرق عندهم ولا يهتمون، فخلقنا وخلقت عندهم سواء، كل ما يرون في القرآن هو التجويد وتفاسير الأولين الباطلة.
● قلت منزلقا للمتدبرين للقرآن لأن أشخاصا كثيروا العلم مثل سامر إسلامبولي يُسَمّون الملأ الأعلى أربابا ( من باب مهمتهم طبعا ولا يعتبرونهم أربابا يتوجهون إليهم بالعبادة ) . وهذا خطأ منهجي ذهبوا إليه ليتأولوا آيات مثل جاء ربك والملك صفا صفا، ومثل هذه الآية ، فلما تجلى ربه للجبل، ومما أدى بهم إلى فكرة الأرباب محاولة منهم تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المجيئ والتجلي وغير ذلك.
● قبل أن نبدأ في محاولة تدبرنا للآية، علينا أن نستحضر شيئا مهما وهو أن الأنبياء هم أعلم الناس برب الناس سبحانه وتعالى، وهم أقرب الناس إليه، وبالتالي من البديهي أن نفهم أن موسى عليه السلام شوقا وحبا لله سبحانه وتعالى أراد أن يراه. إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون شوق موسى عليه السلام إلى رؤية جبريل أو أي ملك من الملأ الأعلى. إذن الرب في الآية هو رب العالمين الله سبحانه وتعالى.
قبل أن نستمر في تدبر الآية لا بأس أن نتكلم عن نبي الله موسى عليه السلام، المتدبر لآيات القرآن التي تتكلم عن موسى، تصفه برسول كريم ( نادر قل نظيره ) ولكن لم يصفه الله سبحانه وتعالى بأنه رسول مبين عكس باقي الرسول ، هذا لأنه كان عنده مشكلة في النطق، وهذا سبب قول فرعون فيه أنه لا يكاد يبين.
أَمْ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ( الزخرف 52 )
لكن آياته بينات، فحتى إن لم يملك طلاقة اللسان، فإن آياته بينات،
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَـٰتٍۭ بَيِّنَـٰتٍ ۖ فَسْـَٔلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُۥ فِرْعَوْنُ إِنِّى لَأَظُنُّكَ يَـٰمُوسَىٰ مَسْحُورًا ( الإسراء 101 )
لهذا جاءه التكريم الرباني بأن كان البشر الوحيد الذي كلمه الله تكليما. ثم أنه يمكن النظر إلى الأمر من جهة أخرى، إن من رآى آيات الله الكبرى وعاش تلك التجربة العظيمة والفريدة وهي أن يكلم الله سبحانه وتعالى رب العالمين، فكيف يستطيع اللسان البشري أن يعبر عن هذه التجربة بالكلمات؟
● نعود لتدبر الآية، إن من الخطأ المنهجي في تدبر الكلمات القرآنية هو تسمية الأشياء بغير ما سماها الله سبحانه، فهل نجد في القرآن تسمية الملأ الأعلى بالأرباب. إن هذا الخطأ المنهجي هو ما سقط فيه الأولون، وبه نستطيع أن نميز كلام رسول الله عما وضعه عليه وضاع الحديث، فمثلا في القرآن كله يسمي الله النفس الإنسانية نفسا، والله يتوفى الأنفس، ورسول الله بما أننا نؤمن أنه ينضح من معين القرآن فإنه سيسمي النفس نفسا، وبالتالي إن وجدنا حديثا عن خروج الروح من الجسد نعرف أن رسول الله لم يقله أو على الأقل هناك تصرف في النص من الراوي، هذا أحد الأمثلة التي في نهجنا في التعامل مع الحديث من خلال منظومة القرآن.
● معاني كلمتي الله والرب:
مما لا شك فيه أن هاتين الكلمتين فيهما الكثير من المعاني، وبالإضافة إلى تلك المعاني، فإن الله هي كلمة تحمل في طياتها العظمة والجبروت والكمال ، الله كلمة من الوَلَهِ، فالعبد يتوجه بالحب والوله والتعظيم والتقديس تجاه الله. وهذا الوله والتقديس والتعظيم يحمل في طياته بعدا بين الولهان والذي يُتَوَجَّهُ إليه بهذا الوله.
أما كلمة الرب فإنها تحمل في طياتها معاني الرعاية والحِفظ والعطاء والقرب، فإن الذي يرعاك ويرزقك ويعطيك هو قريب منك، ولهذا فإننا نجد الكثير من الآيات التي تواسي رسول الله خصوصا في علاقته مع الكفار المعاندين والظالمين ذوي السلطة والمال فإن الله يخاطب رسوله مستعملا كلمة رَبَّكَ.
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ( البقرة 147 )
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ( آل عمران 60 )
ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ ( الأنعام 106 )
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَـٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ( الأنعام 112 )
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَـٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَـٰنًا كَبِيرًا ( الإسراء 60 )
● إذا بكل بساطة، ووفق تدبرنا للقرآن ، وخصوصا سورة مريم وسورة الصافات، نعرف بكل وضوح أن القرآن عندما يتكلم عن الله بصيغة الغائب أو عندما يستعمل القرآن ضمير المتكلمين، فإنه يعود على الملائكة، وعندما يتكلم الله بصيغة المتكلم المفرد فإن المتكلم المباشر هو الله سبحانه وتعالى، وعندما ترد كلمة رب أو ربك أو ربه فإنها تعود على الله سبحانه وتعالى المفرد الواحد الأحد
وأقول المتكلم المباشر، لأنه على الرغم من أن أغلب القرآن يكون المتكلمون فيه هم الملائكه فهذا لا ينفي بتاتا أنه كله من عند الله سبحانه وتعالى، فهو كلامه سبحانه وتعالى على لسان الملائكة
أما التجلي في هذه الآية فلا أدري كيف تم، كل ما أعرفه أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ولا تدركه الأبصار بالكلية، بما في ذلك ملائكة الملأ الأعلى، فلا يرونه سبحانه وتعالى، إذ كيف يستطيع المخلوق أن يُحِيط باللانهائي سبحانه وتعالى
وإن شاء الله سأعود لتدبر سورة مريم وربما بصيغة فيديو وليس كتابة لأتكلم عن الضمائر في هذه السورة العظيمة.
تجد هنا مزيدا من الدروس القرآنية —