سؤال عن الذين كذبوا بالآيات

سؤال: "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا حبطت أعمالهم" لا اجتهاد مع الآيات القرآنية.أما عن سؤالك فالله هو الغني عن كل شيء. تعريف العمل الصالح ينبغي أن يستخلص من القرآن الكريم ومن السنة والمؤمن يثق بأن من عمل صالحا سييسره الله لليسرى فالله عادل أما أن تحكم على شخص بأنه لا ديني ثم تطمع أن يدخل الجنة فهذا أمر غريب

جواب:

أخي بارك الله فيك وهدانا وإياك إلى الطريق الستقيم اعذرني إن قلت لك أنك تعرف الإيمان والكفر كما عرفه التراث. وبهذا لن تتضح لك الصورة. سأجيبك من عدة أوجه وسترى أن كلام الله سبحانه وتعالى يعضد بعضه بعضا لو فُهِم على الشكل الصحيح. علينا أن نستحضر عدة أمور عند محاولة تدبر القرآن الكريم. ومن بينها : الله غني عن العالمين. بمعنى : الله لا يعذب الناس لأنهم لم يعتقدوا بوجوده، أو كذبوا بآياته. فقط من أجل فعل التكذيب نفسه. بل من خلال تبعات هذا التكذيب. فمثلا، لو أن شخصا في عصرنا هذا لا يُصدِّق الرسالات، لكنه يعيش وفق الفطرة، فلا يظلم ولا يعتدي، ويعمل صالحا، فإنه لا خوف عليه يوم القيامة قولا واحدا. هذا من حيث الشكل. نعود الآن إلى الآية التي قدمت: ﴿وَٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلْـَٔاخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف 147) سأُجيبك بوجهين: إن اعتبرنا الآيات هي آيات الآفاق، فالتكذيب بها هو مشاكستها، والكفر بها هو تغطيتها والتنكر لها. ومن سنن الله وآياته، العدل والبر وفعل الخير، والظالم والمعتدي كافر بهذه الآيات(السنن).

إن كانت الآيات هي آيات الكتاب، فلا فرق، فالتنكر لها وتكذيبها لا يكون إلا باعتراض طريق المصدقين بها والإعتداء عليهم. إنك إن اعتقدت أن الله سبحانه وتعالى يعذب من كذب بآياته فقط لأنهم كذبوا بها، فهذا عدم تقدير الله حق قدره. سبحانه وتعالى عن ذلك. هو سبحانه لا يعذب لذاته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. هذا من جهة. ومن جهة أخرى ، وكما قدمت في دروس عدة، إن الكفر كفعل يحتاج دائما إلى توضيح الشيء الذي كُفِرَ به. وستجد أن في أغلب المواضع التي جاءت فيها جملة "الذين كفروا وكذبوا بآياتنا" تأتي في مقابل الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وهنا عليك أخي أن تعرف أن آمنوا هي أعطَو الأمان لغيرهم. وعملوا الصالحات لا تحتاج تبيانا، فكل ما ينفع الناس ولا يظلمهم عمل صالح. وهنا نرى أن الآيات تعضدد بعضها. فالذي يكفر بالإيمان هو الذي يكفر بالآيات ويشاكسها ويختلف عنها باتباع سبل مخالفة للسنن، كالظلم والعدوان.

إن التدبر الحقيقي للقرآن الكريم لا يزيدك إلا يقينا بهذا. فهو متكرر في القرآن آلاف المرات. وظاهر ظهور الشمس في واضحة النهار

لكن غلبة التراث على عقولنا، والتدين الميكانيكي في قلوبنا يجعلنا نعتقد بشغف قوي جدا أن هناك تشريعات إلهية ليست إلا لله لأنه أرادها له لذاته. فهي أشبه بتعليمات رب العمل. فأصبح التدين يكون لله. طمعا في شراء تذكرة دخول الجنة، وهذا غير صحيح. كل تشريعات الله للناس تصب في مصلحتهم في الدنيا. وإعمار الأرض والعيش الحياة الرغدة. وفوق كل هذا، لو إفترضنا أن كل البشر اتبعوا الفطرة وعاشوا حياة سعيدة باتباعهم سنن الله في هذا الكون، سيزيدهم الله من فضله ليس لأنهم صدَّقوا بوجوده. فقط لأنه سبحانه هو أكرم الأكرمين، يجازيك على فعل شيء فيه خير لك وطبيعي فيك وفُطِرْتَ وجُبِلْتَ عليه.

و هذا ما كانت عليه البشرية في البداية، كان الناس يعيشون على الفطرة حتى اختلفوا وظهر الظلم فكان إرسال الرسل وتنزيل الكتب. ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۚ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة 213)

لهذا عندما نقول أن الشخص الصالح وغير الظالم لا خوف عليه، فهذا يصدر من فهم صحيح لكلمات القرآن مثل ما هي العبادة وما هو الإيمان وما هي الآيات. ومن فهم صحيح لِمُسَلَّمات القرآن مثل : الله غني عن العالمين. فأقل شيء تَستطيع أن تحكم به هو آية كان الناس أمة واحدة. ومن هو على الفطرة فهو منهم.

تجد   هنا   مزيدا من الدروس القرآنية —