درس: الآلهة والشفعاء والأنداد والطاغوت

★ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ ( 165 ) • ﴾ ( البقرة آية 165 )

● بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين لقد بينا من قبل في دروس كثيرة أن إبليس لم يترك كلمة من كلمات القرآن المحورية إلا أفرغها من معناها وعوضه بمعنى آخر. إنه لا يقنع أبدا ولا يكتفي بهذا التحريف، بل إنه يزيد لنفسه صمام أمان فأوحى إلى جنوده ( بعلم أو بغير علم ) ، أن يهتموا بالعلوم كلها إلا علوم القرآن، وهنا لا أعني بجنوده أنهم كانوا كفرة فجرة، بل إن منهم من يظنون ، بل يعتقدون كل الإعتقاد أنهم يتقربون إلى الله بفعلهم هذا. وهذا أخطر ما في الأمر . ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَـٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ ( 36 ) • وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ( 37 ) • ﴾ ( الزخرف الآيات 36-37 )

من باب تلبيس إبليس وتشغيبه على القرآن الكريم، أنه زور معاني كلمات الأنداد والشفعاء والآلهة والطاغوت في أذهاننا، فيكاد أغلب المسلمين حين يقفون على آية تذكر الأنداد ينصرف فهمهم وتفكيرهم إلى الأصنام والحجارة. ولاحظوا كيف تأتي كتب السيرة النبوية لتؤكد هذا المعنى وتجعل حرب رسول الله مع الحجارة، ويكثرون من هذا المعنى، ويضخمونه، وعند فتح مكة هدم الأصنام ... نعم فعل هذا لكن حربه مع عبادة الأصنام ثانوية، بل أقل شانا. وتجدون هذا التسطيح للفهم مستمرا إلى الآن. فقد رأينا داعش تهدم بعض التماثيل التي عمرها آلاف السنين، والأغبياء لم يفكروا أن الأمويين والعباسيين قبلهم لم يهدموها. لقد فعل الأمويون فعلتهم في تسطيح ( جعله سطحيا ساذجا ) فهمنا للقرآن من خلال تفاسير باردة كاذبة خاطئة للقرآن. فالله المستعان على هدم صرح عمره الف واربعمائة سنة. إن حرب رسول الله الحقيقية كانت مع السادة والكبراء وسماهم الله أندادا مثل قوله تعالى في الآية 165 من سورة البقرة في بداية هذا الدرس. يقول الله تعالى أنهم يحبونهم بجمع المذكر السالم، فهي ليست حجارة غير عاقلة، إذا فهؤلاء الأنداد من سادة الكفار يعبدونهم كعبادة الله، وقد بينا من قبل أن العبادة هي الإتباع وليس التعريف الشيطاني للعبادة المتمثل في الشعائر. وكيف لا يعبدونهم وهم يتبعونهم إتباعا أعمى كأبي سفيان والوليد بن عتبة وغيرهم من صناديد قريش. ويوم القيامة سيندمون على إتباعهم وأنهم اتخدوهم أندادا يحبونهم كحب الله.

﴿قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوٓا۟ أَنَحْنُ صَدَدْنَـٰكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ( 32 ) • وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُۥٓ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلْأَغْلَـٰلَ فِىٓ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ( 33 ) • ﴾ ( سبأ الآيات 32-33 )

وفي سورة مريم سماهم الله آلهة ، لأنهم يريدون عندهم العزة ، فهم كبراء قريش ولهم جاه وتجارة و علاقات ... لكنهم يوم القيامة سيكفرون بعبادتهم ، سيتنكرون لها وسيشهدون عليهم يوم القيامة ويتبرأون من عبادتهم. كما في الآيات السابقة من سورة سبأ.

﴿وَٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا۟ لَهُمْ عِزًّا ( 81 ) • كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ( 82 ) • ﴾ ( مريم الآيات 81-82 )

على الرغم من أن هذه الآيات يسري معناها على الذين اتخذوا سادتهم وكبراءهم آلهة وأندادا من دون الله. وفي الظاهر تبدو أنها في كفار قريش، إلا أن التدبر العميق للقرآن الكريم وبالبحث عن "يبتغون عندهم العزة" وربط كثير من الآيات بعضها ببعض يعرف المتدبر أنها في منافقي قريش من المهاجرين وهذا بحث آخر وموضوع آخر. المهم أن الآلهة هنا أشخاص سيتخاصمون مع الذين اتبعوهم يوم القيامة وكلهم سيكونون حطبا لجهنم.

﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ ( 98 ) • لَوْ كَانَ هَـٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ( 99 ) • ﴾ ( الأنبياء الآيات 98-99 ) من غير المعقول أن الله سيلقي الأصنام الحجرية في جهنم فقط لأن الكفار يعبدونها، وما ذنبها هي، بل إنها أحجار وذرات تعبد الله. إن هؤلاء الذين تذكرهم آيات سورة الأنبياء أشخاص، كانوا سادة وكبراء واتخذهم الناس آلهة ، وهنا ليس كفرعون أو ذلك الذي حاجه إبراهيم ، بل آلهة يفضلون رأيهم على رأي رسول الله، ويجعلون مصالحهم فوق مصالح المسلمين، ويريدون ان يبتغوا عندهم العزة والملك. لا تجعلوا الفكر السطحي يغلب عليكم. قارنو آيات سورة مريم مع آيات سورة الأنبياء. الله سبحانه وتعالى يزيد عليهم في الذل والمهانة، يقول لهم أن آلهتكم وردوا جهنم مثلكم، فهل هم آلهة؟ ثم يبدأ السيناريو من سورة سبأ عندما يتشاجر الذين اتبعوا مع الذين اتُّبِعوا.

﴿وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ ( 12 ) • وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَـٰٓؤُا۟ وَكَانُوا۟ بِشُرَكَآئِهِمْ كَـٰفِرِينَ ( 13 ) • وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ( 14 ) • فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ( 15 ) • وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَلِقَآئِ ٱلْـَٔاخِرَةِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ( 16 ) • ﴾ ( الروم الآيات 12-16 )

وفي سورة الروم سماهم الله شفعاء، وسيتفرقون ويكفرون بعبادتهم ، هم جعلوهم شركاء لله في الدنيا. ثم يوم القيامة يتفرقون، بالله عليكم هل هؤلاء اصنام وحجارة، هل لو تدبر الأولون هذه الآيات بحق وأعطوها حقها من البحث والتعليم والتعلم، هل كان المجتمع الإسلامي ستنتج الطغاة والملوك الظلمة، والكبراء والسادة. لقد مات رسول الله وقد ترك لأصحابه أمانة محاربة الكبراء والطغاة، لكنهم استحبوا الكبراء والطغاة وحدث ما حدث. والله سبحانه وتعالى سماهم الطاغوت كذلك ﴿لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 256 ) • ٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ ۗ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ( 257 ) • ﴾ ( البقرة الآيات 256-257 )

أولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. إنهم بشر مثلهم، إنهم سادتهم وكبراءهم. إن آيات الله في هذا القرآن العظيم شفاء للمجتمعات لو أعطيناه حقه من التدبر والتفعيل والتطبيق في واقعنا، لكننا جعلنا القرآن فقط ليقرأ على الموتى أو التغني به في المسابقات. ﴿• إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُوا۟ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـٰتٍۭ بَيِّنَـٰتٍ ۚ وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ ( المجادلة 5 ) ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَعْمَىٰ﴾ ( طه 124 )

فهنيئا لنا بمعيشة الضنك والكبت والضيق، حياة كلها عنت وغضب وضيق. بسبب الكبراء والسادة الذين صنعناهم. وبأسباب عديدة أخرى فهل حان الوقت أن نرى القرآن بدون نظارات إبليسية ونراه بعيوننا نحن وقلوبنا نحن؟، فهل حان الوقت كي ننبذ إرث بني أمية؟

تجد   هنا   مزيدا من الدروس القرآنية —