درس: النبي والرسول

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين علمونا في المدارس تعريفا خاطئا للنبي، فقالوا لنا أن النبي هو الذي أوحي إليه ولم يُكَلَّف بتبليغ ما أوحي إليه، وهذا تعريف خاطئ جدا، كأنه يصف الله سبحانه وتعالى بالعبث، تعالى عن ذلك وسبحانه ، فما الغاية من أن يوحى لشخص ثم لا ينتفع الناس حوله بذلك الوحي. هل يريد الله أن يُكْثِرَ من عابديه، سبحانه وتعالى عن ذلك، كل خلقه يعبدونه، والملائكة لا يحصي عددهم إلا هو، ● النبي هو الذي يُنَبَّأُ بخبر السماء، أي يوحى إليه الوحي في قوم سبقه رسول إليهم، أي عندهم رسالة الله ثم انحرفوا عنها، فمن رحمة الله عليهم أن أرسل لهم نبيا يذكرهم بالرسالة التي يعرفونها. مثل أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، كلما انحرف بنو إسرائيل عن التوراة جاءهم نبي ليذكرهم بها. أما الرسول فهو الذي يأتي برسالة السماء لقوم لم يأتهم رسول قبله، كنوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم السلام، وقد يأتي الرسول إلى قوم سبقه إليهم رسول لكنه يأتي بالجديد في الرسالة، مثل عيسى عليه السلام، جاء ليزيل عن بعض بني إسرائيل بعض الأغلال التي كانت عليهم، ويحل لهم بعض ما حُرِّمَ عليهم. هذا في المعنى العام للكلمتين، لكن ما يهمنا هو عندما يُذْكَر رسولنا الكريم بإحدى الصفتين، بصفته نبيا وبصفته رسولا، فما الفرق بينها وماذا يترتب عنهما. إن استقرائنا لورود كلمة نبي أو النبي في آيات القرآن عندما يكون المخاطب هو محمد عليه السلام، يكون الأمر دائما متعلقا بشخص النبي أو بمعنى يا أيها الذي نُبِّئَ، أي يا محمد. فهي تخاطب محمدا البشر الإنسان الذي يأتيه نبأ السماء.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ ( الأنفال 64 ) ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ ( الأنفال 65 )

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ ( الأحزاب 28 ) ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ شَـٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ ( الأحزاب 45 ) ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِىٓ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـٰلَـٰتِكَ ٱلَّـٰتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِىٓ أَزْوَٰجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ ( الأحزاب 50 ) ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ( التحريم 1 )

● ولكن إذا جاء الخطاب موجها للرسول أو يتكلم عن محمد بصفته رسول، فهذه الآيات دائما تكون تشريعات أو توجيهات رسالية، ومحمد يكون فيها هو حامل الرسالة وليس الشخص الآدمي الذي قد يخطئ ويصيب، وأهم من هذا سوف يموت. وبالتالي لن نجد أبدا في القرآن عبارة أطيعوا النبي، فالناس ليسوا مكلفين بطاعته بصفته الإنسان البشر، بل يطيعونه في رسالته، والأهم من هذا طاعة الرسول دائمة بعد وفاته، لكن طاعة النبي ( التي لا توجد في القرآن ) منتهية بموته، فكيف تطيع من قد مات، وأتباع رسول الله كانوا يعرفون هذا الفرق جيدا، ويعرفون أن رسول الله إن تكلم أو فعل الأشياء الجبِلِّية والطبيعية فذلك لكونه إنسانا، لكن عندما يخاطبهم بصفته رسولا فقد وجبت طاعته ﴿قُلْ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا۟ ۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ﴾ ( النور 54 ) فمثلا عند النزول بماء بدر، قال له أحد أصحابه هل هذا منزل أنزلكه الله أم هي الحرب. قال بل هي الحرب فقال ليس هذا بالمنزل الأفضل. ومن خلال هذا الفهم صححت معنى الآية ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا﴾ ( الأحزاب 56 ) كنت أظن ان الصلاة ثلاثة أنواع: صلاة الدعوة التي تكون في الفجر والعشاء، في طلوع الشمس وفي غروبها، وهي مجالس الذكر، والصلاة الإجتماعية التي أُمِرنا بالمحافظة عليها وجاءت وسط آيات الطلاق في سورة البقرة والصلاة على النبي وهي صلاة الإستجابة له ثم التسليم له وطاعته، لكنها لم يجعلها الله لمحمد بصفته رسولا، بل بصفته نبيا، أي أنها انتهت بموته، فقد كان الناس في العهد النبوي مطالبين بحضور مجالسه والتواصل معه، أما نحن فمطالبون بحضور مجالس ذكر خاصة بنا. والله أعلم، من كان يرى أن هذا الفرق بين النبي والرسول حسب هذا الفهم غير صحيح وخصوصا فيما يتعلق بالتشريعات والتوجيهات الإلهية، فليصحح خطأنا جزاه الله خيرا فكلنا طلاب علم ونحاول تدبر القرآن قدر الإمكان

تجد   هنا   مزيدا من الدروس القرآنية —