درس: البيع والربا

● بسم الله الرحمن الرحيم في هذا الدرس إن شاء الله سأبين بمثال واضح أن دين الله سهل جدا ولا عسر فيه ولا تضييق على الناس، وأنه دين يوافق الفطرة . وأن كتاب الله بين ويسير ونور مبين ومفصل . قبل أن أبدأ درس الربا سأقدم بمقدمة على غرار مقالات الرياضيات، سأقدم بمسلمة واحدة وهي : كلمات الله في القرآن دقيقة جدا ولا اعتباط فيها ، فالبيع شيء والشراء شيء آخر والتجارة شيء آخر ثالث. بالطبع قد يعتقد البعض أن هذا أمر بديهي ولا اختلاف فيه. أقول أن أكبر مصيبة أصيب بها الأولون هو أنهم كانوا لا يفرقون بين كلمات القرآن، فالنبي عندهم هو الرسول، والقرآن هو الكتاب والقرآءة هي التلاوة... في هذا الدرس سنُعَرِّفٌ بشكل واضح معاني هذه الكلمات: شَرى، إشترى، البيع وباع، التجارة ، وأخيرا الربا. وسنجيب على سؤال ما هو الربا، ولماذا ( قالُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ) وسيظهر لنا جليا الفرق بين البيع والربا على الرغم من التشابه بينهما. وكل ذلك من القرآن الكريم 1. شرى : وهنا أنبه القارئ الكريم أن اللغة العربية المعاصرة فيها من العجمة والأغلاط ما فيها. في القرآن الكريم فعل شَرَى يأتي بمعنى باع الدارج بيننا. يقول الله تعالى : ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ﴾ ( يوسف 20 ) أي بلغة العصر باعوه بثمن زهيد بضع دراهم وسنعود لمعنى كلمة باع لاحقا وهي مخالفة تماما لما هو دارج بيننا. 2. اشترى: هو العملية المقابلة لفعل شرى، المشتري هو الذي يأخذ البضاعة ويدفع مقابلها ثمنا نقدا أو أي شيء آخر. ﴿وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ( يوسف 21 ) الذي شَرَى يوسفَ هم إخوته والذي اشتراه هو عزيز مصر. ودفع مقابله دراهم معدودة. وهذا الفعل يتكرر كثيرا في القرآن. كالذي يشتري الحياة الدنيا بالآخرة. يذهب ويأخذ معه الحياة الدنيا ويدفع مقابلها الآخرة.

  1. باع والمصدر من الفعل هو البيع. لو كان البيع هو عملية تبادل بضاعة مقابل ثمن لكان البيع = الشراء. وكما قدمنا فإن مصيبتنا في الخلط بين كلمات القرآن وإعتبار التساوي ( التطابق ) بينها. لو كان الأمر كذلك لما استعمل القرآن كلمتين مختلفتين لهما نفس المعنى. قاعدة: إذا اختلف المبنى إختلف المعنى. فما هو البيع يا ترى؟. لكي نجيب على هذا السؤال. نقرأ أطول آية في القرآن .

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌۢ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَٱسْتَشْهِدُوا۟ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَىٰهُمَا ٱلْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُوا۟ ۚ وَلَا تَسْـَٔمُوٓا۟ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ وَأَدْنَىٰٓ أَلَّا تَرْتَابُوٓا۟ ۖ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوٓا۟ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا۟ فَإِنَّهُۥ فُسُوقٌۢ بِكُمْ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ ( البقرة 282 ) ما يهمنا في هذه الآية هو الجزء الأخير. ببساطة، يوصينا الله تعالى بكتابة العقود الخاصة بالدين. إلا إن كانت العملية تجارة فيها شِراء واشتراء. لاحظ أخي الكريم أني استعملت المصطلحين الصحيحين كما عرفناهما سابقا. فالتجارة فيها شِراء واشتراء، أي تبادل بضاعة بمقابلها وثمنها. وتنتهي العملية. لكن هناك حالة لا تنتهي فيها العملية وهي أن تشتري بضاعة ثم لا تؤدي ثمنها بالكامل وتطلب من الشاري ( البائع بلغة العصر ) أن يمهلك مدة ثم ستؤدي له الثمن كاملا. وهذا يا إخواني هو البيع في القرآن وهو عملية يوصينا الله بكتابتها في عقد على عكس التجارة ( شِراء واشتراء ينتهي مع عملية التبادل ) .وَأَشْهِدُوٓا۟ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ. و من هنا ستتضح الكلمات وسنفهم لماذا قالوا إن البيع مثل الربا. البيع هو عملية التجارة التي يبقى معها دين .البيع هو إعطاء بضاعة إلى أجل. و إقراض مال إلى أجل قد يُعتبر بيعا كذلك. وهو عملية تحتاج شهودا وكتابة عقد أو تبادل رهان مقبوضة . 4. الربا. : الربا لغة هي الزيادة والإرتفاع. الربوة من الأرض هي الجزء المرتفع من الأرض. ﴿وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً وَءَاوَيْنَـٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ ( المؤمنون 50 ) ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍۭ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَـَٔاتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ( البقرة 265 )

الربا هي الزيادة التي يزيدها صاحب الدين على المدين في حالة تأخره في أداءه في الوقت المتفق عليه:

﴿ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا۟ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ ۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ( 275 ) • يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰا۟ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ( 276 ) • إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 277 ) • يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَذَرُوا۟ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓا۟ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( 278 ) • فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا۟ فَأْذَنُوا۟ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ( 279 ) • وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 280 ) • وَٱتَّقُوا۟ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( 281 ) • ﴾ ( البقرة الآيات 275-281 )

كيف استخرجنا هذا الفهم، من قوله تعالى : وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ . وهنا سنضرب بعض الأمثلة: سؤال: إشتريتُ بضاعة من صاحب محل على أن أُأدي الثمن بالتقسيط كل شهر، ماذا يسمى هذا؟ جواب : هذا يسمى بيع في القرآن سؤال: محل تجاري يعرض بضاعة ب 7000 درهم إن تم الأداء دفعة واحدة و يبيعها ب 8000 درهم على دفعات . هل هذا ربا؟ الجواب : لا ، هذا بيع. سؤال: إتفقت مع صاحب المتجر على أن أشتري البضاعة ب 8000 درهم على دفعات شهرية. لكني أُصبت بضائقة مالية في أحد الشهور فلم أدفع قسط ذلك الشهر. صاحب المحل أضاف 200 درهم مقابل تأخري عن الأداء . هل هذا ربا؟ جواب: نعم هذا ربا. كل زيادة لم يتفق فيها المشتري مع البائع وكانت نتيجة تأخر في الأداء تسمى ربا. وإن كانت هذه الزيادة تتضاعف مع كل شهر تأخر، فهي أكل ربا أضعافا مضاعفة. سؤال: إقترضت 5000 درهم من شخص أو بنك على أن أُرجع 6000 درهم على دفعات، هل هذا ربا؟ جواب: لا هذا ليس ربا. لكن إن تأخرت في أداء الأقساط فزاد الذي أقرضك عليك درها. فهو ربا.

مشكل الربا أنه يثقل كاهل الشخص المدين بزيادات فوق الزيادات كلما تأخر في الأداء. حتى يصبح رهينة في يد صاحب الدين. ويزيد من الهوة بين الفقراء والأغنياء. وسبب قولهم أن البيع مثل الربا لأن التشابه بينهما في تلك الزيادة. إحداهما زيادة متفق عليها وهي جزء من عملية البيع. وأمر طبيعي جدا. وباختيار الطرفين. ولا إجبار فيه. أنت إخترت أن تشتري البضاعة ب 8000 درهم على دفعات. لو لم ترد ذلك فاشترها ب 7000 درهم دفعة واحدة. الزيادة الأخرى غير متفق عليها. جاءت مفاجئة، كانت بسبب تأخر في الأداء. فرضها جانب على آخر. هذه هي الربا. وفي غالب الأحيان تكون سببا في زيادات أخرى فالمعسر سيتأخر قطعا في الأداء بعد الزيادة الأولى. فتكون سببا في زيادة ثانية وهكذا حتى تصبح أضعافا مضاعفة

تجد   هنا   مزيدا من الدروس القرآنية —